Hello world!

Tuesday, October 03, 2006

سر الرجال المتحولون.


طارق جابر.

أعادت التصريحات التي أدلى بها الدكتور حسام البدراوي خلال الأيام الماضية؛ والتي قال في أحدها أن الرئيس مبارك زعامة تاريخية لن تتكرر، وقال في الآخر أن وصول السيد جمال مبارك إلى مقعد الرئاسة عبر صناديق الانتخاب لن يعد توريثا للحكم في مصر، هذه التصريحات أعادت إلى ذهني سؤال معلق عن التحول الذي يتعرض له رجال ينتمون إلى فئة المثقفين أصحاب الوجاهة والمكانة في المجتمع، والذين يحوزون أقدارا كبيرة من التقدير والاحترام بين الناس ويعبرون في أطوار معينة عن استقلال فكري وحياد وموضوعية في المواقف، ثم يقتربون من دهاليز السلطة فتنقلب أحوالهم رأسا على عقد ونفاجأ بهم في صور ومواقف جديدة هي في حدها الأدنى صادمة لنا نحن الذين كنا نراهم في مواقع وأطر أخرى أكثر حيادا وجدة وموضوعية.

بالطبع أنا هنا أتحدث عن نسبة يمكن أن أزعم أنها تمثل الغالبية العظمى من هذه النوعية من الرجال، وخلال المشهد الحالي يمكن أن أضيف إلى الدكتور حسام البدراوي أسماء أخرى لامعة ومحترمة مثل الدكتور علي الدين هلال والدكتور مفيد شهاب، وأخيرا بعد تصريحات مشابهة ومفاجئة على نمط تصريحات الدكتور بدراوي، الدكتور صبري الشبراوي الذي زكى السيد جمال مبارك للرئاسة باعتباره الخيار الأقل تكلفة لمرحلة انتقالية تنقل مصر من طور إلى طور سياسي آخر.

لا أريد أن أستسلم هنا لبساطة فكرة المثقف المنحرف أو الخائن لقضيته وقناعاته، كما لا أريد أن أرجع تفسير هذه الظاهرة – أليست ظاهرة بحق – إلى مجرد تغليب المصالح والطموح الشخصي لهذه النماذج، حتى مع قناعتي أن هذا الأخير يمثل جزء من تفسير المسألة.

تصوري أن في المسألة بعد آخر يشبه في غموضه الأسرار والأحاجي، وهذا البعد بعيدا عن سذاجة فكرة خيانة المثقف أو فساد النخبة ومباشرة فكرة المصالح والطموح الشخصي، هذا البعد ربما يرتبط بما هو وراء هذه وتلك في عقول هذه النماذج.

ما أقصده هنا هو أن هناك منظومة أخرى تقف خلف هذا النمط المتكرر من السلوك النخبوي، منظومة قد تكون قابعة وكامنة وحاكمة أيضا بداخل كل منا إلى الحد الذي قد يجعلني أشك في أن تعرض أي منا للقدر الذي تعرضت له تلك النماذج من اقتراب من دهاليز السلطة قد يفضي في الغالب إلى ذات النمط من السلوك والمواقف.

لن أدعي أنني أعرف على وجه اليقين عناصر ومكونات المنظومة التي يمكن أن تفسر هذه الظاهرة، حتى وأنا أفكر في غلبة حسبة المصالح بمفهومها الضيق على تفكير الكثير منا، لكن شيء ما يدعوني إلى محاولة التحليل لما هو أبعد.

أريد أن أقرر هنا أنه من السذاجة - في عرفي – تصور سلوك للغالبية الساحقة من البشر، سواء كانوا مثقفين أو من سواد الناس، بعيدا عن صيغة المصالح والمنفعة الحاكمة لسلوك البشر، وعليه فإن الخلل – من وجهة نظري – يمكن إزاحته من منطقة سلوك الأفراد ومبادراتهم الشخصية إلى منطقة طبيعة التوازنات القائمة في منظومة القوى والمصالح في مجتمعنا.

بعبارة أخرى أريد أن أنتقل بنظر المسألة من تحليل سلوك الأشخاص إلى جذرها المتمثل في طبيعة وتركيبة منظومة المصالح الحاكمة لهؤلاء الأشخاص.

هذه المنظومة التي أتحدث عنها تميل بشكل واضح وسافر لكفة السلطة في مواجهة كفة الجماعة أو المجتمع، وهذا الميزان هو - حسب ما أتصور – ما يترتب عليه غلبة نمط معين من التفكير والسلوك والمواقف من السلطة للشخص البعيد عنها، يرتكز بالأساس على معارضتها أو في الحد الأدنى الوقوف بكثير من الحياد والاستقلال والموضوعية بعيدا عنها، ثم التحول الجذري لنمط التفكير وأسلوب صياغة المواقف عندما يدخل المرء في حومتها ويصبح من بين سدنتها أو كهنتها والذي يرتكز بالأساس على تأييد وتبرير وإنتاج كل ما كان يمثل في المرحلة الأولى موضوعا للنقد والاعتراض والتفنيد.

المسألة على ضوء ما سبق لا تعبر عن انحراف أشخاص بقدر ما تعبر عن خلل ميزان بين السلطة والمجتمع، وهو الخلل الذي يبدو مسئولا إلى حد بعيد عن صياغة المواقف خارج السلطة ثم إعادة صياغتها على نحو مناقض بعد الدخول في مساربها.

إن العناصر الحاكمة لهذا السلوك هي من القوة والتمكن والرسوخ إلى الحد الذي يرتب عدة نتائج، منها أن السلوك المنتقد والشاذ يبدو معها أقرب إلى الحتمية والعمومية وهو ما تصدقه شهادة الواقع، ومنها أن مرتكزات صياغة المواقف لا تصدر عن نسق مبادئ حقيقي - وإن حاولت التستر بها – ولا يمكن مناقشتها على خلفية المنطق وإن سعت في طوريها إلى التمسح فيه.

تصوري هو أنه قد أصبح من الواجب ألا ننظر إلى مواقف أولئك المثقفون بمنظور يراوح بين الصدمة وعدم الفهم للدوافع المحركة وبين التخوين أو الاتهام في حقل لا تلعب المبادئ والأخلاق أي أدوار حاكمة فيه، كما أصبح من الواجب ونحن نرى المصالح القريبة المحركة أن نفكر في أنه ثمة رؤية ما – ربما فوقية – لمجمل المشهد السياسي في البلاد والقوى الفاعلة فيه وبدائل ونبوءات ونذر المستقبل ومقتضيات الطبقة الاجتماعية والاتجاه السياسي هي في النهاية - مع حسبة المصالح والطموحات الشخصية على معطيات الواقع القائم – التي تفسر وتحدد موقف كل من ينتقل من هجير المجتمع إلى نعيم السلطة.

وبعد فهذه محاولة لقراءة هذه الظاهرة قد تصيب وقد تخطئ، وكل ما أتمناه أن تفتح باب الاجتهاد لتفسير هذه الظاهرة بما يتجاوز التفسيرات النمطية والساذجة إلى حد ما، لأنه سواء صح التحليل الذي سقته أو أخطأ فإن انتشار هذه الظاهرة في واقعنا لابد أن يلفت نظرنا إلى أن المسألة أبعد من الحدود التي يُنظر لها من خلالها، والله أعلم.
Written by my Friend Tarek Gaber

0 Comments:

Post a Comment

<< Home